أيامى الحلوة

كتبت الزجل الذى إشتهر بين زملائى من موظفى محاكم قنا بجميع أنواعها ورمح الزجل فى أرجاء مجمع المحاكم . والزجل الذى حاولت فيه الإنتقام من الرجل الفاضل " الحاج عبدالله " كبير كتاب محكمة قنا بسبب نقلى إلى مدينة " قوص " وإرتحت للإنتقام ولنسخ الزجل وإستقراره فى جيوب كل موظفى المجمع , فإذا بالحاج عبدالله يرد على الزجل بزجل يحكى فيه إهمالى وعن كيف رآنى رئيس المحكمة نائما على ظهرى على أحد المكاتب أقرأ كتابا فأمر بنقلى إلى " قوص " وأنه لا دخل له فى هذا الأمر , وأن والدى رجل طيب وأستاذ لهم جميعا ولكن " يخلق من ضهر الصالح طالح " وأذكر بعض أبيات الحاج عبدالله ردا على زجلى مستعملا نفس البحر ونفس القوافى : " بيجول عليا انا مفعوص , وان مكتبى مكتب بوص , وانا اللى اشرت بقلمى , وعلشان كدا نجلوه على جوص ..... انا لابا نجل ولا فاصل , ولاليافى الشغل ده واصل , شافوه على المكتب راجد , نجلوه لجوص واهو ده الحاصل " ولم تنفع القصيدة ولم تشفع بل صرت امثولة لكل موظف لا يصبح موظفا فعلا من الاقصر الى نجع حمادى الى دشنا ثم كانت قوص .
كل هذه التنقلات لم تكن محمة بالنسبة لى فقوص ودشنا ونجع حمادى تعتبر بلادى وهى مثل قريتى " أبنود " ولكن المشكلة كانت فى أجرة القطار كل صباح . لم أسكن فى تلك البلاد وإلا لأمر الشيخ الأبنودى أن اصطحب معى المرتبة فى كل قرار نقل وقد كانت قرارات نقلى شبه يوميه لم ينقذنى منها سوى استدعائى لأداء الخدمة العسكرية .
لكن كيف كنت اجد أجر القطار اليومى الذاهب وقطار المساء العائد كل يوم ؟ .. كان المرتب يذوب فى الأقساط والسجائر ولا يتبقى له مه سوى أطلال أنوح عليها مثل أجدادى الشعراء القدامى .
على المحطة وجدت تنظيما محكما لكل الموظفين الذين يسافرون ويعودون : مرحب ياعبدرحمان افندى , مبروك ياعبدرحمان افندى .... واستمعت الى اهم محاضرة فى حياتى الوظيفية على الرغم من انها لم تستغرق سوى دقيقتين ملخصها ان وسائل المواصلات فى مصر مرتفعة الثمن على امثالنا ممن ينفعونها كل يوم واننا اذا اتبعنا نظام هيئة السكة الحديدية فلن نذهب الى اعمالنا وستتوقف الحياة عن السير : لذا يا عبدرحمان افندى فإننا نجمع من بعض نقودا رمزية يعطيها كبيرنا فلان للكومسارى فيسمح لنا بالركوب . ثم ان مواقع عملنا قريبة وسننزل متقاطرين محطة بعد محطة قبل ان يصعد الى القطر مفتش غبى غير قابل للرشوة "!
" اتخيل يا عبدرحمان افندى كم تدفع فى الشهر عشان تروح تحصل مواعيد جلساتك ؟ طبعا قد مرتبك عشر مرات علشان كدا احنا عملنا التنظيم التمام ده " . هكذا سار الأمر اما حين يصعد الى القطار مفتش من اياهم فكنا ننزل من العربة التى هو فيها ونرمح بجوار القضبان لكى نصعد الى احدى العربات التى فتشها وكان الكومسارى يبتكر الاساليب الذكية لتعطيله حتى يتأكد من اننا نزلنا وصعدنا !!
كان نضالا مريرا لكن الامر منه كان حين قبض على المفتش وسلمنى فى محطة " قفط " وكنت فى طريقى الى الاقصر وكان على نا احضر الجلسة مع القاضى الى يأتينا من القاهرة !!!

الكاتب
عبدالرحمن الأبنودى